فصل: ومن باب تشميت العاطس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب الرؤيا:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس عن عبد الله بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة».
قال الشيخ: معنى هذا الكلام تحقيق أمر الرؤيا وتأكيده وإنما كانت جزءًا من أجزاء النبوة في الأنبياء صلوات الله عليهم دون غيرهم وكان الأنبياء يوحى إليهم في منامهم كما يوحى إليهم في اليقظة.
وأنبأنا ابن الأعرابي حدثنا ابن أبي ميسرة حدثنا الحميدي حدثنا سفيان بن عيينة قال: قال عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير رؤيا الأنبياء وحي وقرأ قوله تعالى: {إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر} [الصافات: 120].
فأما تحديد أجزائها بالعدد المذكور فقد قال في ذلك بعض أهل العلم قولًا زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقي منذ بدء الوحي إلى أن مات ثلاثًا وعشرين سنة أقام بمكة منها ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشر سنين وكان يوحى إليه في منامه في أول الأمر بمكة ستة أشهر وهي نصف سنة فصارت هذه المدة جزءًا من ستة وأربعين جزءًا من النبوة.
وقال بعض العلماء معناه أن الرؤيا تجيء على موافقة النبوة لا أنها جزء باق من النبوة.
وقال آخر معناه أنها جزء من أجزاء علم النبوة باق والنبوة غير باقية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «ذهبت النبوة وبقيت المبشرات الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له».
قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد الوهاب عن أيوب عن محمد، عَن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب فأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا».
قال الشيخ: في اقتراب الزمان قولان أحدهما أنه قرب زمان الساعة ودنو وقتها.
والقول الآخر أن معنى اقتراب الزمان اعتداله واستواء الليل والنهار والمعبرون يزعمون أن أصدق الرؤيا ما كان في أيام الربيع ووقت اعتدال الليل والنهار.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا هشيم أخبرنا يعلى بن عطاء عن وكيع بن عُدْس عن عمه أبي رزين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت قال وأحسبه قال ولا يقصها إلاّ على وادٍّ أو ذي رأي».
قال الشيخ: معنى هذا الكلام حسن الارتياد لموضع الرؤيا واستعبارها العالم بها الموثوق برأيه وأمانته.
وقوله: «على رجل طائر» مثل ومعناه أنها لا تستقر قرارها ما لم تعبر.
وقال أبو إسحاق الزجاج في قوله: «لا يقصها إلاّ على وادٍ أو ذي رأي» الواد لا يحب أن يستقبلك في تفسيرها إلاّ بما تحب وإن لم يكن عالمًا بالعبارة ولم يعجل لك بما يغمك لا أن تعبيره يزيلها عما جعله الله عليه.
وأما ذو الرأي فمعناه ذو العلم بعبارتها فهو يخبرك بحقيقة تفسيرها أو بأقرب ما يعلم منها ولعله أن يكون في تفسيره موعظة تردعك عن قبيح أنت عليه أو تكون فيها بشرى فتشكر الله على النعمة فيها.
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا حماد حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صور صورة عذبه الله بها يوم القيامة حتى ينفخ فيها وليس بنافخ، ومن تحلّم كلف أن يعقد شعيرة ومن استمع إلى حديث قوم يفرون به منه صب في أذنه الآنك يوم القيامة».
قال الشيخ: قوله: «تحلم» معناه تكذب بما لم يره في منامه يقال حلم الرجل يحلم إذا رأى حلمًا. وحلم بالضم إذا صار حليمًا وحلم الأديم بكسر اللام حلمًا.
ومعنى عقد الشعيرة أنه يكلف ما لا يكون ليطول عذابه في النار. وذلك أن عقد ما بين طرفي الشعيرة غير ممكن.
والآنك الأسرب.

.ومن باب التثاؤب:

قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع ولا يقول هاه هاه فإنما ذلكم من الشيطان يضحك منه».
قال الشيخ: معنى حب العطاس وحمده وكراهة التثاؤب وذمه أن العطاس إنما يكون مع انفتاح المسام وخفة البدن وتيسير الحركات. وسبب هذه الأمور تخفيف الغذاء والإقلال من المطعم والاجتزاء باليسير منه، والتثاؤب إنما يكون مع ثقل البدن وامتلائه وعند استرخائه للنوم وميله إلى الكسل فصار العطاس محمودًا لأنه يعين على الطاعات والتثاؤب مذمومًا لأنه يثبطه عن الخيرات وقضاء الواجبات.

.ومن باب تشميت العاطس:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أنبأنا سفيان حدثنا سليمان التيمي عن أنس قال: «عطس رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمت أحدهما وترك الآخر فقيل يا رسول الله رجلان عطسا فشمت أحدهما وتركت الآخر، فقال إن هذا حمد الله وإن هذا لم يحمد الله».
قال الشيخ: يقال شمت وسمت بمعنى واحد وهو أن يدعو للعاطس بالرحمة وفيه بيان أن تشميت من لم يحمد الله غير واجب.
وحكي عن الأوزاعي أنه عطس رجل بحضرته فلم يحمد الله، فقال له الأوزاعي كيف تقول إذا عطست، فقال أقول الحمد لله فقال له يرحمك الله وإنما أراد بذلك أن يستخرج منه الحمد ليستحق التشميت.

.ومن باب ينبطح على بطنه:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن يحيى ابن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن يعيش بن طخفة بن قيس الغفاري قال: «كان أبي من أصحاب الصفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلقوا بنا إلى بيت عائشة فانطلقنا فقال يا عائشة أطعمينا فجاءت بجشيشة فأكلنا، ثم قال يا عائشة أطعمينا فجاءت بحيسة مثل القطا فأكلنا» وذكر الحديث.
قال الشيخ: الحيس أخلاط من تمر وسمن وسويق وإقط يجمع فيؤكل والجشيشة ما يجش من الحب فيطبخ، والجش طحن خفيف وهو ما كان فوق الدقيق، وفيها لغة أخرى وهي الدشيشة، فأما الجذيذة فهي السويق.

.ومن باب النوم على سطح ليس له ستر:

قال أبو داود: حدثنا ابن المثنى حدثنا سالم بن نوح عن عمر بن جابر الحنفي عن وعلة بن عبد الرحمن بن وثاب عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بات على ظهر بيت ليس عليه حَجًا فقد برئت منه الذمة».
قال الشيخ: هذا الحرف يروى بفتح الحاء وكسرها، ومعناه معنى الستر والحجاب فمن قال الحجا بكسر الحاء شبهه بالحجا الذي هو بمعنى العقل وذلك أن العقل يمنع الإنسان من الردى والفساد ويحفظه من التعرض للهلاك فشبه الستر الذي يكون على السطح المانع للإنسان من التردي والسقوط بالعقل المانع له من أفعال السوء المؤدية له إلى الردى والهلاك.
ومن رواه بفتح الحاء ذهب إلى الطرف والناحية، واحجاء الشيء نواحيه واحدها حجا مقصور.

.ومن باب النوم على طهارة:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أنبأنا عاصم بن بهدلة عن شهر بن حوشب، عَن أبي ظبية عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يبيت على ذكر طاهرًا فيتعارّ من الليل فيسأل الله خيرًا من الدنيا والآخرة إلاّ أعطاه إياه».
قال الشيخ: قوله: «يتعار» معناه يستيقظ من النوم، وأصل التعار السهر والتقلب على الفراش، يقال إن التعار لا يكون إلاّ مع كلام وصوت وهو مأخوذ من عِرار الظليم.

.ومن باب ما يقول عند النوم:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا المعتمر قال: سمعت منصور بن الحارث عن سعد بن عبيدة قال: حدثني البراء بن عازب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلاّ إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت فإن مُت مت على الفطرة».
قال الشيخ: الفطرة هاهنا فطرة الدين والإسلام وقد تكون الفطرة أيضًا بمعنى السنة وهي ما جاء في الحديث أن عشرًا من الفطرة فذكر منها المضمضة والاستنشاق مع سائر الخصال.
قال أبو داود: حدثنا جعفر بن مسافر التنيسي حدثنا يحيى بن حسان حدثنا يحيى بن حمزة عن ثور عن خالد بن معدان، عَن أبي الأزهر الأنماري «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال بسم الله وضعت جنبي اللهم اغفر لي ذنبي واخسأ شيطاني وفكَّ رهاني واجعلني في الندى الأعلى».
قال أبو داود: رواه أبو همام الأهوازي عن ثور فقال أبو زهير الأنماري.
قال الشيخ: الندى القوم المجتمعون في مجلس ومثله النادي ويجمع على الأندية.
قال الراجز:
إني إذا ما القوم كانوا أندية

يريد بالندى الأعلى الملأ الأعلى من الملائكة.

.ومن باب في التسبيح عند النوم:

قال أبو داود: حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن الجُريري، عَن أبي الورد بن ثمامة قال: «قال علي كرم الله وجهه وذكر فاطمة عليها السلام أنها جرت بالرحى حتى أثرت بيدها واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها وقمَّت البيت حتى اغبرت ثيابها وأوقدت في القدر حتى دكنت ثيابها وأصابها من ذلك ضُر. وساق الحديث إلى أن قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في لِفاعنا» وذكرت الحديث.
قال الشيخ: قوله قمت البيت معناه كنسته ومن ذلك سميت الكناسة قمامًا واللفاع اللحاف وهو كل ما يتلفع به من كساء ونحو ذلك.
ومعنى التلفع الاشتمال بالثوب.

.ومن باب ما يقول إذا أصبح:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا الوليد بن ثعلبة الطائي عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين يصبح وحين يمسي اللهم أنت ربي لا إله إلاّ أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء بنعمتك وأبوء بذنبي فاغفر لي أنه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت. فمات من يومه أو من ليلته دخل الجنة».
قال الشيخ: قوله أبوء بنعمتك معناه الاعتراف بالنعمة والإقرار بها وأبوء بذنبي معناه الإقرار بها أيضًا كالأول، ولكن فيه معنى ليس في الأول تقول العرب باء فلان بذنبه إذا احتمله كرهًا لا يستطيع دفعه عن نفسه.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني سليمان بن بلال عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عَن أبي هريرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر فأسحر يقول سمع سامع بحمد الله ونعمته وحسن بلائه علينا اللهم صاحِبْنا فأفضل علينا عائذًا بالله من النار».
قال الشيخ: قوله: «سمع سامع» معناه شهد شاهد وحقيقته ليسمع السامع وليشهد الشاهد على حمدنا لله سبحانه على نعمه وحسن بلائه.
وقوله: «عائذًا بالله» يحتمل وجهين أحدهما أن يريد أنا عائذ بالله، والوجه الآخر أن يريد متعوذًا بالله كما يقال مستجار بالله بوضع الفاعل مكان المفعول كقولهم سر كاتم وماء دافق بمعنى مدفوق ومسكوب.